-أنت لسّه جديد هِنا؟
-أوّل يوم ليّا فعلًا.. الكامب هِنا بعيد ومُنعزل.. وأنا في توقيت محتاج أكون في مكان زي دَه.
_اسم حضرتك إيه؟
_هيثم.
-وأنا اسمي عمر؛ بشتغل عامل في الكامب، بَس شَكلك غير النّاس اللي هِنا دي يا أستاذ هيثم.. إيه اللي جابَك هِنا؟
-بعدّي بشويّة ظروف الدُّنيا رَمَتني فيها.. هقعُد هِنا لحد ما ربّنا يِفرِجها.
-طيّب شايِف البوّابة اللي هِناك دي؟
بصيت في الناحية اللي عمر بيشاور فيها وكنت مركّز معاه وهو بيكمل كلامه…
_لو حبّيت تسهَر بالليل وتتمشّى تَحت.. بلاش تِطلَع منها.. ولا تُخرج في الصَّحرا بالليل في النّاحية دي.
-مالها البوّابة والصَّحرا من الناحية دي؟!
-اسمع اللي بقول لك عليه.. أنا هِنا من 12 سنة.. عاوِز أبعِدَك عن مهالِك كتيرة.. وأنت بايِن عليك مُش بتاع بَهدَلة.
ده كان جزء من الحوار اللي دار بيني وبين عمر؛ اللي بالمناسبة ساعدني في تجهيز الغرفة اللي هسكن فيها.
*
الليل دَخَل، النّاس كُلّها نامت ومعدش فاضِل غير صوت الكِلاب، اللي اتفاجأت إن عددها كبير وماليه شوارِع الكامب، أوّل مرّة أحس بالإزعاج ده، كُنت فاكِر لمّا آجي مكان زي دَه مَرمي في وِسط الصَّحرا إنّي هلاقي الهدوء اللي مِحتاجُه عَلى شان أعرف أفكّر هعمل إيه الفترة الجاية من حياتي، بَس اتفاجأت إن حتّى النوم مُش لاقيه، واستغرَبت إزّاي النّاس بتنام مع صوت الكِلاب دي كُلّها في نُص الليل.
الغُرفة اللي أنا ساكِن فيها كانت في الدُّور التاني، وطبيعة المباني هِنا إنها دورين، يعني غُرفتي كانت منها للسَّما، في الوَقت دَه كُنت بَبُص في ساعة الموبيل، الوقت كان داخل على 1 صباحًا، النّوم كان طاير من عيني بطريقة فظيعة، ومكنش في حاجة أعملها غير إنّي أتقلّب في السّرير، بَس لمّا لقيت مفيش أمل من النوم قومت، فَتَحت كشّاف الموبيل لأن الغُرفة كانت ضَلمة، واتمشيت لحد ما وصلت عند مُفتاح النّور، فَتَحته وقفلت الموبيل وروحت ناحية البَاب، وقبل ما أفتح سِمِعت صوت رِجلين بَرَه، ولمّا ركّزت مع الصوت عرفت إن الرجلين فيها مخالِب، فَتوقَّعت إن في كلاب طِلِعت قُدام الغُرفة.
دوَّرت على حاجة أحدِفُه بيها، وبالصُّدفة لقيت ولاعة فاضية على الترابيزة اللي جنب الشّباك، أخدتها وحدفتها فيه، ورغم إن الولاعة جِت في راسُه لكنه مَحسّش بيها، استغرَبت الموضوع ومكنش قُدّامي غير إنّي أجازِف، روحت عند البَاب وأخدت نَفس طويل، واستعدّيت على شان أفتَح، ولما فَتَحت الباب لقيت إن الكلب مش موجود!
الجو كان هادي، وكانت فرصة إني أتمشّى وأروح أول الممر عند السلّم، وهناك وَقَفت وقولت أسلّي نفسي شويّة لحد ما يجيلي نوم، بصّيت حواليّا أستكشف المكان، واكتشفت إن المبنى اللي غُرفتي فيه هو آخر مبنى في الكامب، يادوب خزّانات المايّه وبعدها البوابة، اللي عُمر كان بيحذّرني منها.
تركيزي بدأ ياخدني عند البوابة، بدأت أفكّر إيه اللي ممكن يكون وراها، لكن الضلمة كانت مغطّية المكان بَرَه، بَس اللي لَفَت نظري حاجة غريبة، وهي إن غرفة الأمن عند البوابة دي كانت من جوّه، عكس البوابات التانية.
رِجلي أخدتني ونزِلت السلم، وبدأت أمشي ناحية البوابة، ولمّا الكلاب حسّت بيّا بدأت تنبح، زي ما تكون مش متعوّدة إن حد يمشي هنا في الوقت ده، ده غير إنها بدأت تطلع من الأماكن اللي بتبات فيها، وبدون ما أحسّ لقيت نفسي بدوّر بينهم على الكلب الأسود اللي كان قُدّام غرفتي، لكني ملمحتوش.
كبّرت دماغي وكمّلت ناحية البوابة، لكن في نُص الطريق لقيت اللي بينادي عليا:
_أستاذ هيثم!
كان صوت عمر، استغربت إنه صاحي في الوقت ده وبَرَه غرفته، التفتت وقولت له:
_صاحي ليه دلوقت يا عُمر؟!
_أنا خلاص صحيت.. دوامي في الكامب بيبدأ قبل الفَجر.. مُش أنا قولت لك بلاش البوّابة دي يا أستاذنا!
_مالها البوّابة دي يا عُمر؟!
_أنا من أول ما شوفتك الصُّبح عرفت إنك مختلف عن الناس اللي هنا.. على شان كده جيت واتعرَّفت عليك وساعدتَك في تَجهيز غرفتك.. وعطيتك نصيحة لله.. مُش هقدر أتكلم أكتر من كده.
_طيّب قول لي يا عُمر.. كان في كلب أسود قُدام غرفتي فوق.. هي الكلاب متعوّدة تطلع فوق عند الغُرَف؟!
حسّيت إن ملامح عُمر اتغيّرت فجأة وقال:
_مفيش في الكامب كلب باللون دَه.. أنا حافظ كل حاجة هِنا حتّى الكلاب.
حاوِلت أغيّر الحوار لأني حسّيت إن عقلي هيطير من دماغي، ملقتش قدّامي غير إني أسأله أول سؤال جه في بالي:
_هو مش المفروض إن غرقة حارس الأمن تكون برّه البوابة مش جوّه!
لقيته بيشدّني من إيدي وبيقول لي:
_أستاذ هيثم.. اطلع نام وكفاية أرجوك.
_هي إيه الحكاية يا عُمر؟!
_البوابة دي بالذات مينفعش يكون حارس الأمن بتاعها بَرَه.
_أنت مش عايز تِتكلم عن اللي بَرَه البوابة ليه؟!
_مفيش أصلًا حارس أمن على البوابة دي.. لأن مفيش حد يقدر يقرّب منها بالليل.
عُمر قال الكلمتين دول وسابني ومشي، فضِلت واقِف مكاني بفكّر في اللي سمعته منه من ساعة ما وصلت الصُّبح، يعني أنا جيت هِنا أعتزل الدنيا وأعيش فترة هدوء؛ أقوم ألاقي فيلم رعب منتظرني؟!
قرَّرت أروح عند غرفة حارس الأمن؛ نورها كان مفتوح لكن بابها مقفول ومفيش حد فيها، ولاحظت إني قُريّب جدًّا من البوابة، عقلي كان بيوزّني أفتحها وأخرج بَرَه في الصحرا، كان في حاجة جوّايا بتقول لي إن عُمر بيشتغلني، وفعلًا قرّبت من البوابّة ومسكت المقبض بتاعها وحطيت إيدي على الترباس على شان أفتحه، بس للأسف اكتشفت إن في قِفل، عرفت إن محاولتي فَشَلِت، بَس في الوقت ده سِمعت بَرَه البوابة صوت حد بيصرخ، زي ما يكون بيتعذب، الخوف كَهربني، بدأت أرجع لِوَرا وأنا بَسيب مقبض البوابة، الصرخات كانت بتزيد، والرعب اللي جوايا كان بيكبَر، قرَّرت ألِف وشّي وأمشي، بَس لقيت عُمر قُدّامي وبيقول لي:
_مُش قولت لك بلاش البوّابة دي يا أستاذ هيثم!
مُش عارف ليه حسّيت إني مرعوب منّه، لهجته كانت صعبة وملامحه بتقول إنه مبيهزرش، على شان كِدَه مَوَقَفتِش، سيبته وكمّلت طريقي للمبنى، طلعت السلم جَري وأنا بفرِد خطوتي على قد ما أقدر، لحد ما دخلت غرفتي.
قضّيت الليل بفكَّر إيه الحكاية، والوقت أخَدني، لحد ما أبواب الغُرَف اللي جَنبي بدأت تتفَتَّح وبدأت أسمَع خطوات بَرَّه، عِرِفت إن النّاس قايمة على شان شُغلها، ساعتها قومت وفتَحت باب الغُرفة وخَرَجت، وصلت لنهاية المَمَر وأنا عيني على البوّابة، اللي كانت مفتوحَة عادي وواقِف جنبها حارِس الأمن، وَقَفت أبُص ناحيتها وأنا بحاول أفهم إيه الحِكاية، بَس مَلقيتش حاجة غريبة، لكن عيني بدأت تروح أبعد من البوّابة، للصحرا من بَرَه، واللي كانت واضحة جدًا في بداية النّهار، لاحِظت إن الصَّحرا من النّاحية دي فيها عُشب، ولاحِظت إن فيها مَجرى مائي صغيّر، بادئ من عند الكَامب وواصِل لحد شَجرة مفيش غيرها في المَكان، وعند الشَّجرة كان فيه باصات قديمة مركونة، المنطقة هناك زي ما تكون مقبرة باصات.
محبِّتش الوقت يسرقني، رجعت لغُرفتي على شان أجهَز وأنزل شُغلي، وافتَكَرت إن النهاردة الخميس، يعني هطلع من الشُّغل بدري وهيكون في وقت أشوف إيه الحكاية.
بعد ما خلصت شغلي رجعت على الكامب، لمّا وصلت لقيت الدُنيا هادية، قولت فُرصة أروح عند البوابة الخلفية، وساعتها لقيت عُمر قاعد على كنبة جنب البوابة مع الحارس، اتعمّدت أقرَّب منهم وقولت:
-أخبار الشَّباب إيه؟
رد عُمر وهو بيقوم من مكانه:
-بخير والله يا أستاذ هيثم.
لقيت حارس الأمن بيبُص ناحيتي ومستغرب لأنّه طبعًا أول مرة يشوفني، لكن عُمر اختَصَر الموضوع وقال:
-أستاذ هيثم.. لسه جديد في الكامب.. جاي امبارح بس.
ساعتها رد حارس الأمن وهو بيمد إيده يسلّم عليّا:
-وأنا مُصطفى.. منوّرنا يا أستاذ هيثم.
سلّمت عليه وقولت الرد المعتاد:
-المكان منوّر بيكم.
نظَرات عُمر ليّا كانت غريبة، هو عارف إنّي مُش جاي هِنا من فراغ ولا على شان أسلّم عليهم، مهتمّتش بنظراته ومدّيت إيدي في جيبي وطلَّعت موبيلي، وعملت إنّي هعمل اتصال، وأخدت بَعضي ومشيت ناحية البوّابة، انتَظَرت حد منهم يمنعني لكن دَه محصَلش، وساعتها سألت نفسي: ليه عُمر كان بيحذّرني منها ودلوقت مَبيتكلّمش؟! وليه لو البوّابة دي وراها خَطر سايبينها مفتوحة عادي كِدَه؟!
لمّا لقيت الدُّنيا تمام كمّلت، اتجرَّأت وخرجت من البوّابة، الصَّحرا من الناحية دي جوّها حَرّ جدًّا عن الصحرا قُدَّام الكامب، برغم كِدَه الأرض كُلها عُشب، والحقيقة مُش عارف إيه نوع العُشب دَه، بَس اللي شايفه إن فيه حاجة زي اللبلاب على الأرض وطارح منها حاجة زي اليقطين بَس لونها أخضر وفي حجم كرة التنس، حسّيت إن المكان مُبهِج، بدأت أتمشّى وأبعد عن البوّابة، عيني كانت على الشَّجرة اللي بعيدة عن البوّابة حوالي 200 متر، مشيت من جنب مجرى المايّه اللي الشَّجرة عند نهايته، مشيت بِحَذَر ناحية الشَّجرة، مُش عارف ليه حسّيت إنّي بخاطِر، لحد دلوقت محصلش حاجة بَس دَه مجرَّد إحساس واصِلني، تجاهلت الإحساس وكمّلت، لحد ما وصلت عند المنطقة اللي فيها الباصات، كانت قُريّبة أوي من الشَّجرة، والحقيقة مكانش عدد الباصات كتير، هُما يادوب خمسة أو ستّة بالكتير.
لقيت نفسي بدون وعي بروح ناحية الباصات، واللي كان باين من شكلها إنّها عاملة حوادث، فضولي أخَدني لمّا وصلت عند أوّل باص ودخلتُه، بابُه كان مخلوع ومفيهوش كراسي، وملقيتش أي حاجة مُلفِتَة في الباص فَ لفّيت وِشّي ونزِلت منّه.
مُش عارف إيه الغريب في المكان يخلي عُمر يحذّرني منه! ولقيتني باخد قرار بعد ما نِزِلت من الباص إنّي أرجع، بَس أوّل ما رِجلي لَمَسِت الأرض سمعت صوت حاجة بتتحرَّك، الحَرَكَة لَفَتِت نظري وخلّتني أغيّر قراري بإني أسيب المكان؛ لقيت نفسي بدخُل ما بين الباصات، ساعتها لَمَحت الكلب الأسود، كان بيدخُل تَحت باص من اللي موجودين، وده اللي خلّاني أنزل على رُكبي على شان أعرف أشوف الكَلب، وللأسف مكنش له أثر، رغم إنّ مفاتش ثواني ما بين وقت دخوله تحت الباص ووقت ما بصّيت عليه، بَس مُش هي دي أكتر حاجة لَفَتِت نَظَري في المكان، ده كان في صوت تاني، صوت جنزير حد بيجَرجَرُه على الأرض، بدأت أتلفّت حوالين نفسي على شان أشوف الصوت جاي منين، ورغم إن الصوت كان لسّه موجود لكن مكنتش شايف حواليا أي حاجة.
المَوقف مُحيّر، وبقى مُحيّر أكتر لمّا لقيت صوت الجَنزير بيخبَّط في جِسم الباصات وبقى عالي ومُرعِب، بدأت أدخُل بَاص ورا التاني، لكن آخر باص من جوه كان فيه حاجة مُختلفة شوية، كان في جنزير متقطّع، وأساور كلابشات زي ما تكون مصنوعة على الإيد، ولمّا حاولت أقرَّب منهم حسّيت بِحَرَكة تَحت الباص، وصوت كلب بينبَح، نِزِلت بسُرعة من الباص وأنا عيني على الأرض من تَحته، ساعتها لَمَحت الكلب الأسود للمرة التانية وهو بيدخل تَحت الباص، وزي المرّة اللي فاتت، لمّا بَصّيت تَحت الباص ملقِتش أي أثر له.
لحد هِنا والدُّنيا بقت هادية، بَس زي ما يكون الهدوء حَصَل وفي أحداث تانية بدأت في مكان قُريّب، لأني انتبهت على الصوت اللي ورايا، واللي كان جاي من عند الشَّجرة.
فروع الشَّجرة كانت بتخبَّط في بعضها بكل قوة، كأن في عاصفة بتهزّها، رغم إن الجو هادي ومفيش عواصف ولا حاجة، وده اللي خلّى إحساس جوايا إن دَه ممكن يكون بيحصل بِفعل فاعل، بَس مين ياترى اللي هيعمل كِدَه!
مكُنتش شايِف حد قُدّامي، بَس الأصوات اللي سمعتها وأنا بقرّب من البوابة بالليل خلَّتني أتفزع، ولو اللي في بالي صَحيح يبقى الموضوع مُش في البوابة نفسها ولا في الكامب، وتحذير عُمر كان على شان ما أخرُجش من البوابة وآجي المكان دَه، أكيد هو عارف إن في خطر هِنا وبيحذّرني منّه بطريقة غير مباشرة، ويِمكن سابني أخرُج دلوقت لأننا بالنهار والأخطار اللي زي دي بتبقى غالبًا بالليل، بَس لسّه إحنا مابقناش العصر وسامِع اللي سامعه دلوقت! أومال بالليل بيحصل إيه هنا.
رِجلي أخَدِتني للشَّجرة، ولمّا قرَّبت منها عرفت إنها شجرة طَلح، والغريبة إن الأرض حواليها مكنش فيها عَشب زي باقي المكان، ده كان لونها أسود! ولفتت نَظَري إن في حلقات حديد مرمية على الأرض حواليها، زي ما يكون جنزير وحلقاته انفصلت عن بعضها، نزلت على الأرض وبدأت أمسك شويّة حلقات، لكني متحمّلتش أمسكها لأنها كانت شاربة شمس وحرارتها كانت زي الجمر.
ياترى عُمر يعرف إيه اللي هِنا؟ سألت نفسي وجاوبت وقولت أكيد؛ وإلا مَكَنش زمانه حذّرني، وطالما عُمر عارف أكيد مُصطفى حارس الأمن يعرف، وغيرهم كمان، مهما كان أنا لسّه جديد ومع الوقت أكيد حد هيحكي لي عن المكان دَه أو هعرف بنفسي.
انتبهت إنّي في حلقة كنت لسّه ماسكها من الأرض؛ واتفاجأت إني سرحت ونسيت حرارتها العالية، رميتها بسرعة ولاحظت إنها حرقت إيدي وسابت أثر؛ شَكل الحلقة انطَبع في بطن إيدي. حسّيت إن الوقت أخدني وإنّي لازِم أرجع، خوفت البوابة تتقفل، رجعت وفي نُص الطريق حسّيت جِسمي تلّج ورجلي مُش قادِر أرفعها من الأرض، والصوت اللي سمعته كان كفيل بإن دَه يِحصل معايا. ألتفت أشوف إيه اللي بيحصل، واتصدمت لمّا شوفت واحِد مربوط في الشَّجرة بالجنزير، والكلب الأسود كان بيمزَّع فيه بدون رحمة.
كُنت واقِف ومُش مستوعب، ولا قادِر أصدَّق اللي بيحصل قُدّامي، في اللحظة دي الأرض بدأ لونها يغيّر، العُشب لونه اتحوّل للأحمر، حتّى الحاجة اللي شبه اليقطين بدأت هي كمان تاخُد نَفس اللون، حسّيت إن اللبلاب بقى عروق مليانة دَم بتتحرَّك تَحت رِجلي، الموضوع كان غريب لدرجة إنّي غمَّضت عيني وفتحتها على شان أتأكّد من اللي بيحصل، ولمّا فتَّحت عيني لقيت الشَّخص اللي الكلب بينهشه اختفى، مكنش له أثر لا هو ولا الكلب، لكن اللبلاب الأحمر اللي كان ظاهر شبه عروق الدَّم تَحت رجلي مختفاش فجأة، ده كان بيتسحب واحدة واحدة ناحية الشَّجرة وبيختفي، كأن الشَّجرة بتبلعه.
لما اللبلاب اختفى عند الشَّجرة الدّنيا رِجعت لطبيعتها، بَس اللي متغيّرش هو الرّعب اللي كان بيزيد جوّايا، كان كل هدفي إنّي أمشي، بدأت أتحرَّك وأسرَّع خطوتي لحد ما وصلت للكامب، ودخلت بسرعة من البوّابة، أوّل حاجة عيني وقعت عليها الكنبة اللي عُمر ومصطفى كانوا قاعدين عليها جنب البوابة، مالقِتش حد منهم موجود، انتبهت للحرق اللي في كف إيدي، زي ما يكون المكان ساب فيّا علامة على شان منساش اللي شوفته هناك.
أخدت بعضي وطلعت على غرفتي، كان الحل اللي قُدّامي هو التَّلج، فتحت فريزر التّلاجة، ومن حُسن حظّي لقيت في الفريزر إزازة مايه متلّجة، مسكتها في إيدي المحروقة، وقعدت على السرير وأنا كاتِم ألم رهيب كُنت حاسس به، ومع الوقت التّلج بدأ يخدَّر إيدي والألم يِقِل، وبدأ تفكيري يروح للمكان هناك من تاني.
الوقت عدّى والأحداث اللي شوفتها هناك كانت بتدور قُدّامي، لحد ما إزازة المايّه المتلّجة بدأت تدوب، انتبهت لنُقَط المايه اللي نازلة منها على الأرض ورِجلي، فقومت رجّعتها في الفريزر وبصّيت في إيدي على الحَرق، ولقيت إن لونه كان زي لون الأرض اللي حوالين الشَّجرة بالظبط!
الفضول مَرَض، خلّاني نزلت من الغرفة أدوَّر في شوارع الكامب على عُمر، لكنه مكَنش موجود، وافتكرت إنه بيبدأ شُغله قبل الفَجر زي ما قال لي، قرَّرت أطلع غرفتي أنام، ولمّا أقوم أنزِل أتمشى بعد نُص الليل، ولازم هشوف عُمر، لأنه بيبدأ شُغله في الوقت دَه، وفعلًا دخلت غرفتي وفتحت التكييف ونِمت، وأوّل ما عيني غمَّضت سِمعت صرخات الشَّخص اللي كان الكلب بيِنهَش فيه وهو مربوط بالجنزير في الشَّجرة، صوته في الكابوس كان أفظع بكتير من اللي سمعته وأنا هِناك، ده غير إنّي شوفت اللبلاب الأحمر بيلِف حوالين جِسمه، وشوية يتغيّر شكله من لبلاب لجنازير مولَّعة، والغريبة إنّي شوفت الشَّخص دَه عن قُرب في الحِلم لكن ملامحه كانت مطموسة، وسمِعت صوت الكلب الأسود وهو بينبح، بَس المرّة دي مكنش بينهش فيه، ده كان بينهش في واحِد تاني ملامحه مش واضحة برضه.
قومت مفزوع، العَرَق كان نازِل من كل حتّة فيا، أول حاجة حسّيت بيها هي الحرق اللي في إيدي، فردت كفّي وبصّيت فيها، لقيت مكان الحرق دايرة بتنوّر باللون الأحمر! وبتنتشر واحدة واحدة في باقي دراعي، لدرجة إن عروق دراعي اتحولت زي اللبلاب والدَّم اللي فيها كان ظاهر قُدّامي.
فقدت السيطرة على جسمي، مبقتش عارف أتحرّك، كنت بَبُص لإيدي وأنا مُستسلم، ومع الوقت لقيت أرضية الغُرفة بتتحوّل زي أرضية المكان اللي كُنت فيه في الصحرا، حتّى الرسومات اللي في السجادة بدأت تاخُد شكل اللبلاب اللي مبقتش عارف هو جواه نار ولا دَم، والوَرد اللي فيها بدأ يتحوّل وبقى شبه اليقطين اللي شوفته هناك!
حاولت أقاوِم عَجزي، كان أهم حاجة جسمي يتحرَّك على شان أقوم، ومع الوقت نَجَحت في دَه، بَس انتصاري على نفسي خلّى كُل اللي بيحصل في الغرفة يختفي، معدش فاضل غير الحَرق اللي في إيدي، واللي رجِع للونة الأسود اللي كان عليه.
فتَحت تليفوني وبصّيت في الوقت، وساعتها عرفت قد إيه الوقت سرقني، الساعة 2 بعد نُص الليل، كانت فُرصة، دَه الوقت اللي شوفت عُمر بيبدأ فيه شُغله، أخدت بَعضي وخرجت من الغرفة، ومشيت في المَمَر لحد السلّم، بَس قبل ما أنزل، لَمَحت نُور جاي من ناحية المنطقة اللي سمّيتها مقبرة الباصات برغم إن مفيهاش العدد اللي يسمح لي أقول عليها الاسم دَه، كان نور أصفر زي ما يكون حد مولّع كلوب، والأرض هناك كان لونها أحمر، زي ما تكون نار بتغلي وبتتحرّك في شكل عروق أو لبلاب، مبقِتش متحمّل اللي بيحصل، نزِلت جَري على السِّلم، دوَّرت على عُمر، لقيته بينضَف الشارع اللي فيه المبنى اللي أنا ساكِن فيه، وبدون ما أتردد جريت ناحيته وشدّيته من كِتفه وقولت له:
-كُنت فين يا عُمر من امبارح العَصر؟!
لقيته اتخض من المفاجأة وبص لي وقال:
-إيه اللي مصحيك دلوقت يا أستاذ هيثم!
-سيبك من اللي مصحّيني يا عُمر.. إيه اللي بيحصل ورا البوّابة دي؟!
-أنا ما صدَّقت نسيت يا أستاذ هيثم.. متفكّرنيش الله يخلّيك.
-ماهو أنت لازم تقول إيه اللي بيحصل.
وفرَدت كفّ إيدي قدام وِشّه وقولت له:
-لمّا البوابة كانت مفتوحة امبارح خرجت وأنت ممنعتنيش.. ولا مصطفى حارس الأمن مَنَعني.. ولمّا وصلت عند الباصات لمحت الكلب الأسود اللي قولت لك إنَي شوفته قدام غرفتي.. وشوفت واحد هناك مربوط في الشجرة بالجنزير والكلب بينهش فيه.. وشوفت اللبلاب اللي في الأرض برّه لونه بيتحوّل للأحمر.. ومِسكت حلقة حديد من جنزير وعملت لي الحَرق اللي أنت شايفه دَه.. ولمّا نمت حلمت باللي شوفته برّه البوابة.. وصحيت لقيت الحرق دَه لونه بيتحوّل للأحمر وبينتشر في عروق دراعي وحسّيت إنّي مشلول.. لازم أعرف إيه الحكاية لأنّي بقيت جزء منها يا عُمر.
-على شان خاطري يا أستاذ هيثم أنا عامل غلبان.. مُش هحكي أي حاجة.
وسابني ومشي، وقفت مِتكَتّف مُش عارف أعمل إيه، رِجلي أخَدتني لحد البوابة، كانت مقفولة بالقِفل، وأوضة حارس الأمن زي ما هي كانت منوّرة وفاضية، قرَّبت من البوابة ورميت وِدني أسمع أي حاجة، لكن الدُّنيا كانت هادية كأن مفيش حاجة بتحصل.
أخَدت بَعضي وطلعت غُرفتي، الساعة كانت مقرَّبة على 3 بعد نُص الليل، وكُلها شويّة والفَجر هيأذّن، وأنا قرَّبت أروح شُغلي، غيّرت هدومي وأخدت مفاتيح سيارتي وشنطتي على شان أنزل، ولمّا خرجت من الغرفة ووصلت لنهاية الممر وقفت وبصيت على المكان هِناك، بَس مكنش في غير ضلمة، ومشوفتش أي حاجة من اللي شوفتها..
اليوم ده كان يوم جمعة؛ بَس كان عندي شُغل براجِع منّه قبل الصلاة، ولما روحت شغلي ورجعت وصليت، طلعت غرفتي ريَّحت شويّة لحد قبل العَصر، مكنتش بعمل حاجة غير إنّي بَبُص على الحَرق اللي في إيدي، لكن التَّفكير كان شاغِلني، ومقدرتش أصبر أكتر من كِدَه، قولت أنزل تَحت يِمكن أقابِل عُمر، وأعمل معاه محاولة تانية يِمكن يِحكي أي حاجة تفهّمني اللي بيحصل.
لفّيت في شوارع الكامب ملقِتش عُمر، بَس لقيت واحد بيشيل شويّة كراكيب كانت مرمية في جَنب فقرَّبت منّه وسألته:
-مَتعرفش غرفة عُمر فين؟
لقيته واقِف بيبُص لي وهو مستغرب سؤالي، وبعد شويّة قال لي:
-مُش أنت الأستاذ هيثم؛ اللي ساكن جديد في الغٌرفة دي؟
وكان بيشاور بإيده ناحية غرفتي فقولت له:
-أيون أنا.
-وعرفت عُمر منين بقى؟
-يعني إيه عرفت عُمر منين؟!.. هو كلّمني أول ما وصلت هنا وساعِدني في شنطتي وحاجتي.. وبعدها اتكلّمت معاه كذا مرَّة.. دا حتّى حذَّرني من البوابة اللي هناك دي.
وهنا كانت الصَّدمة اللي عُمري ما كُنت مُتخيّل إنها هتحصل لي، لأني لمّا التفتت وأنا بكلّمه على شان أشاور بإيدي ناحية البوّابة؛ لقيت إنها مش موجودة في مكانها! وساعتها لقيته بيرمي الحاجة اللي في إيده وبيبرَّق لي وبيقول:
-بوّابة إيه دي يا أستاذ؟!
قولت وأنا كلامي بيتقطّع:
-البوّابة كانت هِنا.. أنا خَرَجت منها امبارح!
لقيته بيسيب شُغله وبيمسِكني من إيدي، أخدني وروحنا على الكنبة اللي هي المفروض كانت جنب البوابة، وبعد ما قعدنا بدأ يحكي لي:
-عُمر ميّت من 7 سنين تقريبًا.. واللي قتله مُصطفى حارس الأمن.. كان في تار قديم ما بينهم.. ومصطفى جِه وراه هِنا على شان ياخد تاره منّه.. بَس إن جيت للحق عُمر مظلوم.. وأنت عارف حكاية التار دي بتاخد العاطِل في الباطل.. وده اللي حَصل.
بعدهت أخد نَفس عميق وبدأ يكمّل…
-مصطفى قِدِر يشتغل هِنا.. على شان يبقى قُريّب من عُمر.. وزي ما تكون الظروف خدمته ومِسِك حارس أمن البوابة اللي كانت هنا أيامها.. والظروف خدمته برضه إن عُمر كان مسئول عن نضافة الجزء ده من الكامب.. اللي فيه البوابة اللي بيحرسها مصطفى.. وللأمانة عمر مكانش واخد خوانة ومفكرش إن التار يتّاخد منه، حتى مصطفى مكانش مبيِّن حاجة، وفجأة عُمر اختفى.. يوم واتنين وتلاتة.. والدنيا اتقلبت عليه.. وبعدها ظَهرت جثّته في باص من اللي مرميين في المكان اللي برّه البوابة.. وكان عليه أثار تعذيب.. ولمّا الموضوع اتعرِف في بلدهم الدنيا اتشاعِت إن مصطفى أخَد تاره من عُمر بس بعد ما انتقم منه بالظلم.. ده كان مكتّفه في آخر باص بالجنزير.. وكان بيسلّط عليه كلب أسود كان بيمزّع فيه من وقت للتاني.. وآخر مرة اتقال إنه كان رابطُه في الشَّجرة وسايِب عليه الكلب.. لحد ما مات.. وبعدين رمى جثّته في الباص.
بعدها لقيته بطل يحكي فطلبت منه يكمّل، وبدأ يكمّل…
-محدّش كان قادِر يتّهم مصطفى اتهام مباشر أول ما الجثة اتلقت.. بَس كانت العين عليه.. وبيقولوا إن الكلب اللي قتل عُمر فِضِل عايش عند الباصات.. وتاني يوم ما اكتشفوا الجثة مصطفى هو كمان اختفى.. كانوا فاكرينه هِرِب.. لكن لقوا جثّته تاني يوم بالليل في نفس الباص اللي لقوا فيه جثة عُمر.. واتعرِف بعد كِدَه إن في كلب نهشه لحد ما موّته.. يعني سبحان الله.. اتقتل بنفس الطريقة اللي قتل بها عُمر.. عاوز رأيي، قرين عمر هو اللي استدرج مصطفى وانتقم منه، ومن وقتها والمنطقة دي اتلعنت، قرين عمر ساكنها، وبعد اللي حصل بدأت تظهر حاجات غريبة في الناحية دي، ناس تشوف حاجات وتسمع صرخات ورا البوابة، لحد ما بقى اسمها بوابة ابليس، وإدارة الكامب قفلتها وحذرت من إن أي حد يتكلم في الحكاية دي؛ الظُلم دايرة يا أستاذنا.. ومن يومها.. والبوابة دي اتقفلت واتعمل مكانها السّور اللي أنت شايفه دَه.
ردّيت والذهول مُش مخلّيني أعرف أتكلم!
-أومال ازّاي شوفت البوابة مفتوحة وخرجت منها هناك؟!
-أنت مخرجتش يا أستاذنا.. قرين عمر خلاك تشوف اللي حصل هناك.. وأنت مُش أوّل حد يحصل معاه كِدَه.. كُل اللي سكن في غرفتك حصل معاهم دَه.. على شان أيامها كانت دي غُرفة عُمر.
-واللبلاب الأحمر اللي بشوفه دَه!
-ما أنا قولت لك، المنطقة هناك زي ما تكون اتلعنت يا أستاذنا.. أي مكان بيحصل فيه ظُلم ودَم حرام بيتلعن.. بيبقى بوّابة إبليس بيدخل منها لعالمنا.. كُل اللي شافوا دَه قبلك كانوا بيقولوا عليه لبلاب إبليس.. إنت بَس اللي لمّا حكيت قولت لبلاب أحمر.. مُش هتفرِق كتير.. المُسميات بتختلف لكن اللعنة واحدة.. متشغلِش بالك يا أستاذنا بالحكاية.. عايز تعيش هِنا اعمل نَفسك مُش شايف حاجة.. ومتقرّبش من هِنا بالليل ولا أي وقت.. على شان لو عندك رغبة تقرّب هتخرج تاني زي ما خرجت.. المكان فيه لعنة دَم برّه.. ولعنة الدّم مُش سهلة.
كنت ساكت ومصدوم، وقبل ما يقوم من جنبي كمل كلامه وقال:
_بالمناسبة أنا اللي ساعدتك في تجهيز غرفتك، اسمي أحمد؛ جايز شوفتني على شكل عمر، الله أعلم الحكاية دي حصلت إزاي.
بعدها لقيته بيخبّط على كِتفي وبيقوم يرجع لشُغله، بس بعد الكلام ده بقى عندي خوف من البوّابة، أو المكان اللي كان فيه البوّابة، كنت ببُص لكف إيدي اللي فيه الحرق وبسأل نفسي؛ ازاي شوفت عمر وهو قاعد مع مصطفى وهما أصلًا مش موجدين على وش الدنيا، سؤال مالوش إجابة غير إن اللعنات بتعمل أكتر من كده، على شان كِدَه قرَّرت إنّي أعمل مُش شايف، ولا أقرب من المكان ده تاني، لحد ما الوقت اللي أنا هقضّيه هِنا يعدَي، وبعدها أشوف مكان تاني، على شان فعلًا زي ما اتقال لي: لعنة الدَّم صعبة؛ لدرجة إنها فتحت لي بوابة مش موجودة، ومن خلالها روحت مكان كان حاضر فين إبليس في هيئة بني آدم، على شان يخليه يرتكب جريمة بشعة بالشكل ده!
***
تمت…